فصل: (سورة ق: آية 19).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وليس القرب هاهنا من جهة المسافة والمساحة، ولكن من جهة العلم والإحاطة.

.[سورة ق: آية 19].

{وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)}.
وقوله تعالى: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [19] وهذه استعارة. والمراد بسكرة الموت هاهنا: الكرب الذي يتغشى المحتضر عند الموت، فيفقد له تمييزه، ويفارق معه معقوله. فشبّه تعالى ذلك بالسّكرة من الشراب، إلا أن تلك السّكرة منعمة، وهذه السّكرة مؤلمة.
وقوله تعالى: {بِالْحَقِّ} يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون جاءت بالحق من أمر الآخرة، حتى عرفه الإنسان اضطرارا، ورآه جهارا. والآخر أن يكون المراد بِالْحَقِّ هاهنا أي بالموت الذي هو الحق.

.[سورة ق: آية 22].

{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}.
وقوله سبحانه: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [22]. وهذه استعارة والمراد بها ما يراه الإنسان عند زوال التكليف عنه من أعلام السّاعة، وأشراط القيامة، فتزول عنه اعتراضات الشكوك، ومشتبهات الأمور، يصدّق بما كذّب، ويقرّ بما جحد، ويكون كأنه قد نفذ بصره بعد وقوف، وأحدّ بعد كلال ونبوّ. فهذا معنى قوله سبحانه: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.

.[سورة ق: آية 30].

{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}.
وقوله تعالى: {يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}.
وهذه استعارة. لأن الخطاب للنار والجواب منها في الحقيقة لا يصحان. وإنما المراد- واللّه أعلم- أنها فيما ظهر من امتلائها، وبان من اغتصاصها بأهلها، بمنزلة الناطقة بأنه لا مزيد فيها، ولا سعة عندها. وذلك كقول الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطنى ** مهلا رويدا قد ملأت بطني

ولم يكن هناك قول من الحوض على الحقيقة، ولكن المعنى أن ما ظهر من امتلائه في تلك الحال جار مجرى القول منه، فأقام تعالى الأمر المدرك بالعين، مقام القول المسموع بالأذن.
وقيل: المعنى أنا نقول لخزنة جهنم هذا القول، ويكون الجواب منهم على حدّ الخطاب. ويكون ذلك من قبيل: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} في إسقاط المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. وذلك كقولهم: يا خيل اللّه اركبي. والمراد يا رجال اللّه اركبي.
وعلى القول الأول يكون مخرج هذا القول لجهنم على طريق التقرير لاستخراج الجواب بظاهر الحال، لا على طريق الاستفهام والاستعلام. إذ كان اللّه سبحانه قد علم امتلاءها قبل أن يظهر ذلك فيها. وإنما قال سبحانه هذا الكلام ليعلم الخلائق صحة وعده، إذ يقول تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
والوجه في قوله تعالى في الحكاية عن جهنم: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} بمعنى لا من مزيد فىّ.
وليس ذلك على طريق طلب الزيادة، وهذا معروف في الكلام. ومثله قوله عليه السلام:
«وهل ترك عقيل لنا من دار؟» أي ما ترك لنا دارا.

.[سورة ق: آية 37].

{إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}.
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [37] وهذه استعارة. وقد مضى نظير لها فيما تقدم. والمعنى أنه بالغ في الإصغاء إلى الذكرى، وأشهدها قلبه، فكان كالملقى إليها سمعه، دنوّا من سماعها، وميلا إلى قائلها.
والمراد بقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [37] أي عقل ولبّ. ويعبّر عنهما بالقلب، لأنهما يكونان بالقلب. أو يكون المعنى: لمن كان به قلب ينتفع به. لأن من القلوب مالا ينتفع به، إذا كان مائلا إلى الغيّ، ومنصرفا عن الرّشد. اهـ.

.وقفات مع سورة ق:

الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته، ودلت على وجوده آياته ومخلوقاته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الخلق بما فيه، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، نبي شرح الله له صدره، ورفع الله له ذكره، ووضع الله عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.
عباد الله:
فإن سورة (ق) سوره مكية النزول طالما قرأها وتلاها وبين أسرارها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة جمعته على منبره حتى حفظ بعض الصحابة هذه السورة من فيه الرطب صلوات الله وسلامه عليه. ولما كان لا هدي أكمل من هديه ولا طريق أقوم من طريقه فإنه حري بكل من رغب في إتباع السنة والتماس الهدي النبوي أن يشرع بين الحين والآخر في ذكر ما في هذه السورة من عظيم الآيات، وجلائل العظات، وبالغ التخويف من رب العالمين جل جلاله لعباده.
أيها المؤمنون:
لا أحد أعلم بالله من الله تبارك وتعالى، ولا أحد أدل على الطريق الموصل إلى جنانه والمبعد عن نيرانه منه تبارك وتعالى ولهذا أقسم الله جل وعلا في صدر هذه السورة بالقرآن وختم هذه السورة بقوله جل شأنه: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق: 45].
وإن المؤمن إذا كان على الفطرة قويما مستقيما على منهاج محمد صلى الله عليه وسلم كان لا يتأثر بشيء أعظم من تأثره بالقرآن. بالقرآن يجاهد المؤمن قال الله جل وعلا: {وجاهدهم به جهادا كبيرا} [الفرقان: 52]. وبالقرآن يقوم المؤمن بين يدي ربه {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}[الإسراء: 79]. وبالقرآن يخوف من عصى الله {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}.
جعله الله جل وعلا شرفا لهذه الأمة في الدنيا والآخرة {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} [الزخرف: 44] والذكر هنا بمعنى الشرف العالي والمقام العظيم الذي أتاه الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما أوحى إليه من هذا القرآن العظيم.
ثم أخبر تبارك وتعالى أن أعظم العجب الذي انتاب كفار قريش أنهم استكبروا أن يبعث رسول من بين أظهرهم يعرفهم ويعرفونه فقالوا مستكبرين كما قال الله جل وعلا: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} [ق: 2] وهذه العلة في الرد هي العلة التي امتطتها الأمم من قبل فأكثر الأمم التي بعث إليها الرسل كان أكبر حجتهم في الرد على رسولهم أنهم اعترضوا أن يبعث الله جل وعلا بشرا رسولا فأخبر الله تبارك وتعالى أنه لو قدر أن ينزل الله جل وعلا ملكا لكان هذا الملك بشرا رسولا يحمل أوصافهم ولبقي الأمر ملتبسا عليهم كما بقي في الأول ورسولنا صلى الله عليه وسلم كانت قريش تعرفه قبل أن يبعث تعرفه بأمانته وعفافه وطهره صلوات الله وسلامه عليه تعرف منشأه ومدخله ومخرجه فليس لهم حجة في اعتراضهم عليه صلوات الله وسلامه عليه.
بل الأمر رحمة من الله محضة يضعها الله حيث يشاء قال جل ذكره: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] فقال تبارك وتعالى مجيب لهم: {أهم يقسمون رحمة ربك} [الزخرف: 32] فاقتضت رحمة الله جل وعلا وحكمته ومشيئته أن يكون محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء وسيد الأولياء وأفضل الخلق أجمعين ولله جل وعلا الحكمة البالغة والمشيئة النافذة {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب} [ق: 2].
وكما اعترضوا على الرسول اعترضوا على الرسالة وأعظم ما اعترضوا عليه إنكارهم للبعث والنشور وأن العظام إذا بليت والأجساد إذا تقطعت سيكون لها بعد ذلك مبعث ونشور كما أخبر الله تبارك وتعالى عنهم فقالوا: {أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد} [ق: 3] فقال الحق جل جلاله وعظم سلطانه: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ} [ق: 4].
قال صلوات الله وسلامة عليه: «إن بني آدم خلق من عجب الذنب منه خلق وفيه يركب فكل جسد بني آدم يبلى في قبره إلا عجب الذنب». أجساد الشهداء أجساد حفاظ القرآن أجساد الصالحين أجساد غيرهم من الخلق أجمعين كلها تبلى إلا أجساد الأنبياء قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت ليلة الجمعة أو يومها فأكثروا من الصلاة علي قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك وقد أرمت فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» فخرجت أجساد الأنبياء بهذا الحديث الصحيح وبقي ما غيرها من الأجساد عرضه للبلاء والذهاب كما أخبر الله تبارك وتعالى ظاهرا في كتابه وكما بينته السنة الصحيحة الصريحة عن الرسول الهدى صلوات الله وسلامة عليه.
{قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ} ذلكم هو اللوح المحفوظ.
{حفيظ} أي محفوظ لا يتغير ولا يتبدل، حفيظ لا يشذ عنه شيء، حفيظ كتبته الملائكة بأمر من الرب تبارك وتعالى فما فيه لا يتغير ولا يتبدل إلى أن يقوم الخلق ويحضر الأشهاد بين يدي رب العباد تبارك وتعالى.
ثم ذكر جل شأنه بعض من عظيم خلقه وجلائل صنائعه فذكر السماء والأرض وإنزال المطر وإنبات الزرع وأن ذلك كله لا يخلقه إلا الله تبارك وتعالى ومن تأمل في عظيم المخلوقات دلته بصيرته وبصره إلى رب البريات جل جلاله فما أجمل أن تكون الأشياء من حولنا تدلنا على ربنا تبارك وتعالى قال الله جل وعلا عن القانتين من خلقه والمتقين من عباده: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} [آل عمران: 191]فما عظمة المخلوق إلا دلالة على عظمة الخالق. وما جلالة المصنوع إلا دلالة على جلالة البارئ جل شأنه.
والله تبارك وتعالى ما من مخلوق إلا والله جل وعلا خالقه ومدبره فقير كل الفقر ذلك المخلوق إلى الله والله جل وعلا غني كل الغنى عن كل مخلوق خلق العرش وهو مستغني عن العرش خلق حملة العرش وهو جل وعلا مستغني عن حملة العرش خلق جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وغيرهم من الملائكة وهو جل وعلا مستغنى كل الغنى عنهم وهم أجمعون فقراء كل الفقر إلى ربهم تبارك وتعالى.
{الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] فحياته جل شأنه حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال وقوله جل وعلا {القيوم} أي قيوم السموات والأرض احتاج كل أحد إليه واستغنى جل وعلا عن كل أحد سواه لا إله إلا هو رب العرش العظيم.
ثم ذكر جل وعلا بعد ذلك الخصومة التي بين نبيه صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش اعترفوا أول الأمر أن الله هو خالقهم ثم قالوا إن الله غير قادر على أن يبعثنا فقال الله جل وعلا: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد}[ق: 15].
فهم متفقون على أننا قد خلقناهم أول مرة لكن اللبس الذي في قلوبهم والشك الذي في صدورهم إنما هو ناجم عن إعادة البعث والنشور قال الله جل وعلا مجيبا العاص ابن وائل لما أخذ عظاما بالية ووضعها في كفة ثم نفثها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أتزعم يا محمد أن ربك يعيد هذا بعد خلقه، قال الله مجيبا له: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم} [يس: 81] آمنا بالله الذي لا إله إلا هو قال الله: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد} ثم قال جل وعلا: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق] وهذا قرب الله جل وعلا من عباده بملائكة بذلكم الرقيبين الذين يحصيان الكلمات ويعدان الأفعال. الذي عن اليمين يكتب الحسنات ويشهد على الآخر والذي عن الشمال يكتب السيئات ويشهد على الآخر ثم يلتقيان مع صاحبهما بين يدي الله بين يدي من لا تخفى عليه خافية فطوبى لعبد كانت سريرته خيرا له من علانيته.
قال الله جل وعلا: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان} وهذا بيان للأول أي: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}حين يتلقى المتلقيان {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} تمضي على ذلك أيامه وأعوامه وما كتب الله له من الحياة حتى يواجه سكرت الموت وكلما تلفظ به أمر مسطور مكتوب لا يغيب قال الله سبحانه: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} [ق: 19] أي تفر فلا يوجد أحد يلقي بنفسه إلى المهالك قال الله: {وجاءت سكرة الموت بالحق}.
وقف الصديق رضي الله عنه يواجه سكرة الموت وهو مضطجع في بيته فقالت الصديقة رضي الله عنها ابنته عائشة لما رأت أباها يواجه سكرت الموت تردد قولا قديما لحاتم طي:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فكشف الصديق وهو في سكرة الموت عن غطاءه وقال: يا بنيه لا تقولي هذا ولكن قولي كما قال الله: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.
وسكرة الموت غرغرة الروح قبل أن تخرج من الجسد فإذا خرجت سميت روحا وإذا بقيت ما زالت نفسا وهي لحظات يواجهها كل أحد ولو بدا لك بين عينيك أن الميت لا يواجه شيئا من هذا فكم من أمر مخفي لا يعلمه إلا الله ويشتد الموت على الأنبياء لأن الموت مصيبة والمصيبة أعظم ما تكون على الصالحين وأولياء الله المتقين وإن لم يبدو ذلك ظاهر للعيان لمن كان محيطا بالميت لكن الميت حال نزع الروح يواجه من الأمور العظام ما الله بها عليم، ثم يخففه الله جل وعلا فتنزع روحه آخر الأمر نزعا رفيقا خفيفا لعناية الرب تبارك وتعالى بأوليائه بعد أن تثبتهم الملائكة كما قال الله جل وعلا في فصلت: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30].
{وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور} [ق: 19] أي مرت على الناس أهلة وأهلة وهم في قبورهم ثم انتهى الأمر إلى الفناء العام فنفخ في الصور النفخة الأخرى فقام الناس بين يدي ربهم {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [ق: 22] فليست حياة البرزخ ولا حياة الآخرة كحياة الدنيا فإن في الدنيا من الغيبيات ما الله به عليم وفي حياة البرزخ ينكشف الكثير من تلك الغيبيات وفي حياة الآخرة يصبح الأمر كله عين اليقين يرى الإنسان ما كان يسمعه ويقرأه ويتلوه من كلام لله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وما أخبر به من الغيبيات يراه ماثلا بين عينيه قال الحق جل شأنه: {فبصرك اليوم حديد} وهنا يقول قرينه ذلك الشيطان الذي أوكل إليه والواو واو عطف {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد} [ق: 23].
فيكون الخطاب الرباني: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد} [ق: 26].
أيها المؤمنون:
لا ذنب يلقى الله جل وعلا به أعظم من الشرك وهذا لا يغفره الله أبدا أما المؤمنون فإن أول ما ينظر فيما فعلوه ما بينهم وبين الله هو الصلاة فمن حافظ عليها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو إلى ما سواها أضيع.